ربما لا يجادل أحد في كون دول العالم الإسلامي والدول العربية كانت من أكثر الدول أمناً في الثلث الأول والثاني من القرن العشرين، نتيجة ابتعادها عن مناطق الحروب والصراعات الدولية، لكنها باتت عكس ذلك في ثلثه الأخير، حيث تكاثرت صراع السياسات والايديولوجيات لتجعل من العالم الإسلامي والشرق الأوسط بشكل خاص منطقة دامية تفوح فيها رائحة الموت كل يوم وفي كل الزوايا، لعلنا سنغالي إن نسبنا هذا الانقلاب فقط للايديولوجيات المتطرفة التي غزت العالم الإسلامي في الثلث الأخير من القرن العشرين وتناسينا دور التدخل الأجنبي ودور السياسات الدولية في تأزيم الأوضاع والدفع نحو التناحر بين الأخوة الأشقاء، ونحن إذا نضع هذا جيدا أمام أعيننا، فإننا نحاول أن نحصي بالأرقام ما جناه العنف والإرهاب علينا نحن المسلمين، وما الذي ندفعه من دماء جراء جنون بعض المحسوبين علينا.
منذ أن نشأت بذرة التطرف مع الجماعة الإسلامية في بداية السبعينات وبداية مرحلة العنف المحلي، مرورا بمرحلة العنف التي عصفت بالجزائر (200ألف قتيل بسبب الإرهاب) التي بدأ فيها التحول من العنف المحلي إلى مرحلة الإرهاب الدولي، وتم ترسيم ذلك رسميا بنشأة ما يسمى بالقاعدة التي ادّعت لنفسها حق الدفاع عن الإسلام ضد اعدائها، وكأن المسلمين أعطوها تفويضا بتمثيلهم والدفاع عنهم، وجنى المسلمون نتيجة هذه الحصرية والروح الدموية القاعدية فاتورة الدم أكثر من أي أمة أخرى، إذ يشير تقرير معهد الاقتصاد والسلام في تقريره سنة 2014 إلا أنه ما بين 2000 إلى 2013 كان العرب والمسلمون أكثر من تضرر من الارهاب حيث لقي ما يزيد على 108 ألف حتفهم في 48 ألف عملية إرهابية، ارتكبت أغلبها من طرف جماعات إسلامية متطرفة، ففي سنة 2013 لوحدها قتل ما يزيد على 18 ألف شخص في 10 آلاف عملية ارهابية على أن أغلب العمليات وقعت في بلدان إسلامية و80% من ضحاياها سقطوا في 5 دول كلها مسلمة وهي العراق وسوريا وافغانستان وباكستان ونيجيريا، وتحمّل وزر 66 % من هذه العمليات؛ 4 منظمات ارهابية وهي بالترتيب داعش القاعدة طالبان بوكو حرام.
كما يشير التقرير إلى أن الوفيات بسبب أعمال ارهابية زادت في العالم كله بنسبة 80% سنة 2016 مقارنة بسنة 2015، والزيادة الأكبر لها كانت في بلدان إسلامية، والأرواح التي زهقت فيها أغلبها تشهد بشهادة الإسلام.
تقرير مركز الاقتصاد والسلام عن ترتيب الدول العربية من حيث الأمن 2016
ومن جهة أخرى يشير مؤشر السلام العالمي لسنة 2016 إلى أن هناك عشرة دول مسلمة تحتل مراتب في آخر 15 دولة في قائمة الدول الأقل أمنا، إذ تركن كل من سوريا والعراق وأفغانستان والصومال ثم اليمن في ذيل القائمة كأقل الدول أمناً، وفي تقرير سنة 2015 لمؤشر السلام العالمي، احتلت سوريا والعراق وافغانستان ذيل الترتيب، ومع اقرارنا بأن انحدار الأمن في بعض هذه الدول تتحمله أيضا جهات أخرى كالنظام السوري في سوريا وجماعة الحوثي في اليمن إلا أن أرقام العمليات الإرهابية الموقعة من طرف جماعات إرهابية يبقى صادماً ومساهماً بشكل فاقع في هذه المأسأة إذ أن 78% من نسبة الوفيات في خمس دول إسلامية وهي: العراق ونيجيريا وافغانستان وباكستان وسوريا، سنة 2014 كانت بسبب أعمال ارهابية.
وفي العراق وحده، بلغ عدد القتلى الذين سقطوا سنة 2014 ثلاثة أضعاف مجموع ضحايا الإرهاب في العالم كله سنة 2000، هذا العراق الذي لم يشهد هجوماً انتحارياً واحداً قبل سنة 2003. وكان يصنف من أكثر الدول أمناً أما بعد هذا التاريخ، وإلى غاية نهاية سنة 2014، فشهد البلد 1892 عملية انتحارية، متسببة في مقتل قرابة 20 ألف شخص، أغلبهم عراقيون مسلمون بينما تشير احصاءات المجلة الطبية البريطانية “لانسيت” إلى أن عدد الجنود الأميركيين الذين قتلوا بفعل هذه العمليات لم يتجاوز الـ200، أي ما نسبته 1 في المائة من ضحايا تلك العمليات. فهل، فهل يبرر قتل 200 جندي امريكي أن يقتل 20 ألف عراقي بريء في سبيل ذلك، أي جنون يبرر هذا!!. طبعاً هذه الأرقام قبل سنة 2014، أما بعد ظهور داعش فحجم الجنون تضاعف والدماء أيضا زادت حيث بات التسجيل يتجدد شهرياً وبوتيرة أعنف، حيث سجل شهر مارس من هذه السنة (2016) 44 هجوماً انتحارياً من توقيع داعش بينما سجل شهر أبريل 36 هجوماً انتحارياً. بينما شهدت باكستان بدورها أكثر من 486 عملية انتحارية خلال الـ15 سنة الماضية، وهي التي لم تعرف قبل هجمات الـ11 من أيلول/سبتمبر سوى عملية انتحارية وحيدة تعود إلى سنة 1987، وطبعاً دفع المسلمون تقريباً 100% فاتورة هذه العمليات.
أما عن نيجيريا فالحديث أكثر إيلاماً حيث تسبب جنون تنظيم بوكو حرام ، في مقتل أكثر من 6644 شخصاً سنة 2014 فقط، وهو أكبر عدد لضحايا الإرهاب في دولة واحدة وفي سنة واحدة. ووصل عدد ضحاياه هو وتنظيم ميليشيا الفولاني الجديد إلى غاية سنة 2016 إلى 14000 قتيل.
المرعب في الأمر أن نسبة الوفيات في العالم نتيجة أعمال ارهابية ارتفعت إلى من 8466 سنة 2008 إلى 32.715 سنة 2016 حسب IEP بنسبة زيادة 286% ، بينما ارتفعت وتيرة الأعمال الإرهابية بنسبة 80 % من 2013 إلى 2014 فقط، واحتل فيها داعش الصدارة حيث كان المسؤول عن 50 % من الوفيات بسبب الارهاب سنة 2014 لوحدها. كما وساهم الإرهاب في تهجير ملايين المسلمين من مدنهم وأوطانهم حيث اضطر 20 بالمئة من سكان الصومال للعيش في الملاجئ بسبب الأعمال الارهابية الطاحنة في مدنهم.
هذا عن فاتورة الدم التي دفعها ولازال يدفعها المسلمون نتيجة هذا السعار الدموي، أما عن المستوى الدولي فتشير الاحصائيات إلى أن عدد الدول التي تزيد خسائرها البشرية من العمليات الارهابية على 500 ضحية زاد من 5 دول إلى 11 دولة سنة 2015. كما وتصاعدت تيرة الهجمات الإرهابية في العالم على مستوى عدد الدول المتضررة بهذه الظاهرة، إذ شهدت 67 دولة في العام الماضي وفاة واحدة على الأقل جراء الإرهاب، مقارنة بـ59 دولة فقط في عام 2013. كما تشير الإحصائيات التي نشرها مؤشر الإرهاب العالمي، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، إلى ارتفاع عدد قتلى العمليات الإرهابية بتسعة أضعاف منذ بداية القرن الحالي. كما عرف عدد العمليات الإرهابية بدوره ارتفاعاً صاروخياً. ففي الوقت الذي لم يتجاوز عددها عتبة 2000 هجمة مع بداية الألفية، اقترب من حاجز الـ14 ألفا سنة 2014. كما أن نسبة اللاجئين بسبب أعمال العنف وصلت معدل لم تصله منذ 60 سنة.
بعد كل هذا السرد الرقمي، هل من وقفة مع من لازال يرى جدوى من وراء العنف والتطرف، فهذه حصيلة التطرف، دماء بلا توقف، ومشاكل تتكرّس، ودول مسلمة تتفتت، ويبقى السؤال المطروح: لصالح من يعمل هذا الجنون؟؟
*الدكتور طارق العجال هو استاذ للتاريخ بجامعة عفت بمدينة جدة.