حين نتكلم عن لتفكيك خطاب التطرف في سياقنا المعاصر، فنحن أمام اثنى عشر عنصرا في غاية التواشج:
العنصر الأول هو عنصر الرؤى المؤطرة لهذه السياسة، العنصر الثاني: الاستراتيجيات التي سوف تتفرع عن هذه الرؤى. العنصر الثالث: المخططات التي تروم تنزيل هذه الاستراتيجيات، العنصر الرابع:التشريعات التي تستهدف وضع الضوابط والمفاصل لصون هذا التنزيل بطريقة أرشد، العنصر الخامس:التنظيمات وهي هنا بُعد عملي وميداني فيه درجة أخرى من التنزيل لهذه التشريعات، العنصر السادس:إنشاء البُنى التي سوف التي يتم التمكن من خلالها من التنزيل، العنصر السابع: رصد ما يمكن من الإمكانات البشرية، ثم المادية،العنصر الثامن:التدابير والإجراءات، ثم العنصر التاسع: الإنجازات، العنصر العاشر: التقويمات، العنصر الحادي عشر: التحسينات، العنصر الثاني عشر: التجويدات لتحسين الرؤى وتحسين الاستراتيجيات.
بعد كل ما سبق ذكره فإن التحدي الأكبر الذي تشترك فيه العناصر الاثنى عشر سالفة الذكر، هو تحدي البعد المضموني، حيث لا نجد عندنا اليوم ما يكفي من المضامين الوازنة؛ لأننا ببساطة لم نُمكّن أبناءنا وبناتنا، بشكل كاف من اكتساب الخبرات لبلورة هذه المضامين الوازنة!!
وحتى نتمكن من بلورة مضامين وازنة، نحتاج إلى جملة أمور:
صياغة، وبناء وشحذ كفايات، للتمكن من إنتاج مضامين قوية ومنافسة.
التركيز على البعد الهندسي؛ والذي تدخل فيه الاستراتيجيات وتدخل فيه المخططات، وتدخل فيه الإجراءات، والتدابير؛ ولا أعني بالهندسة هندسة البناء، ولكن أقصد الهندسة المعرفية، ثم الهندسة التربوية وهي هندسات نفتقر إليها في سياقنا المحلي الراهن.
نحتاج إلى علماء رواد؛ والعالِم هاهنا بمفهومه الشامل؛ وهذا هو الذي سميناه التقويةEmpowerment، فلابد من الاستثمار في الشباب الذين نريدهم علماء رواداً، ومن أجلهم.
إلى جانب العلماء الرواد، لابد أن تكون لدينا شبكات تضمن الوساطات مع عموم الناس، وهم العلماء الوسطاء؛ الذين بهم يمكن أن تُواجه، وأن تُرصد أضرب السلوكيات الخطرة، وفي مقدمتها التطرف، والإرهاب، والكراهية، والعنف.
التثقيف بالنظيرL’Education Par Les Pairs لأن الشباب ـ وكما سلف ـ يكون أكثر تأثيرا على الشباب، ودراسة حالة “داعش” تفيد ذلك، وهذا ليس رد فعل على “داعش” وإنما هذه ثمرات الدراسة والخبرة الميدانية.
أن يكون هناك نوع من التقوية في مجال تواجد وأماكن عيش الشباب، ولابد أن نفرز المضامين التي تمكن هؤلاء الشباب من أن يدركوا، ومن أن يسهموا، ومن أن يَبنوا، وأن يكون لهم دور؛ لأن الشباب سئم من المقاربة التعليمية والتدريسية والإملائية، من دون أن يكون له إشراك.
أن تكون هناك جملة من البدائل؛ وهي بدائل تبدأ من الرسوم المتحركة بالنسبة للأطفال، رسوم تحمل رؤى، وقيما، وأنماط سلوكية، ولغة للتواصل مفهومة؟ وعندنا مراكز الفنون الجميلة في العديد من بلداننا، تخرج مئات الطلبة الشباب في السنة، لا تتم الاستفادة منهم بهذا الصدد. كما ينبغي الحرص على تنشئة الخرجين الموجودين الآن في الطبيعة، واستثمارهم في سبيل تحقيق هذا المقصد.
ينبغي أن تكون عندنا الآن مراصد وطنية للقيم،لأن ذلك بات من أولى الأولويات.
لابد أن ننشئ أماكن عيش صالحة، تستوعب أنشطة الشباب، وتستجيب لتطلعاتهم، من قبيل أندية سينمائية بنّاءة، يتم فيها بناء مهارات التحليل والنقد، وتُكتسبُ فيها أضرب من الخبرات، لأن التحدي الآن هو كيف يمكن أن أواكب شبابي دون أن يُجتالوا، أو يُختطفوا إلى القبائل الرقمية أمام ناظري؟
نرنو إلى أن تظهر هذه الأمور في برامج الأحزاب السياسية، والجمعيات المدنية في بلداننا، بما أنها هي الذراع العملي المخوّل قانونيا، ولكن قبل ذلك، تظهر في برامجنا التربوية، والتعليمية.
* الأستاذ الدكتور أحمد عبادي هو أمين عام الرابطة المحمدية للعلماء في المملكة المغربية