صدر المؤشر العالمي للإرهاب لسنة 2016 عن معهد الاقتصاد والسلام، وحمل في تضاعيفه الكثير من تفاصيل تطور الظاهرة الارهابية لهذه السنة ولسنة 2015، ويمكن اعتبار سنة 2016 سنة دامية بامتياز، بالرغم من تناقص بعض المؤشرات والمعدلات المتعلقة بهذه الظاهرة وذلك نتيجة بداية الحملة البرية ضد المناطق التي تقع تحت إدارة داعش وخسارة التنظيم للعديد من المدن ومناطق النفوذ، والانحسار العام لمكينة هذا التنظيم الإعلامية بسبب الضريات المتتالية التي تلاقاها سنة 2015 و2016، كما لعبت الحملة المكثفة والمنظمة ضد بوكو حرام والتي تقودها الحكومة النيجيرية في الحد نوعا ما من هجمات بوكو حرام مقارنة بسنة 2015 والسنوات التي سبقتها.
ونورد هنا ملخص المحاور الأربع للتقرير الذي عادة يغطي مناحي أربع وهي: (ملخص عام، النزعات، الجماعات الإرهابية، والآثار الاقتصادية للإرهاب، مؤثرات ودوافع الإرهاب)
موجز عام:
في ملمح إيجابي لهذه السنة حسنت 75 دولة ترتيبها في قائمة المؤشر الدولي للإرهاب بينما تراجع تصنيف 53 دولة. وبشكل عاموبشكل إيجابي أيضاً تراجع مؤشر الإرهاب العالمي بمعدل 6 % مقارنة بسنة 2015 بسبب تفعيل سياسات مكافحة الإرهاب من طرف العديد من الدول، ونجاح العلميات الميدانية ضد داعش وبوكو حرام بشكل خاص. وقد تربعت خمس دول إسلامية على رأس مؤشر الإرهاب العالمي لسنة 2016، و سجلت فيها أكبر نسبة وفيات بسبب الإرهاب واستحوذت هذه الدول على نسبة 72% من نسبة الوفيات العالمية بسبب الإرهاب هذه الدول للأسف هي: العراق، أفغانستان، نيجيريا، باكستان، سوريا.
انخفضت نسبة الوفيات بسبب الإرهاب سنة 2016 بنسبة 10% مقارنة بسنة 2015، حيث بلغت هذه السنة 29.376 ضحية، وهو أول انخفاض لها منذسنة 2010. وقد شهدت العراق ونيجيريا أكبر نسبة انخفاض في نسب الوفيات بسبب الإرهاب حيث انفخض عددهم بحوالي 5556 مقارنة بسنة 2015، أي مايقارب نسبة 32% انخفاض عن ما عهدته هاتين الدولتين في السنوات الماضية.
وفي الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، وهي تجمع اقتصادي يجمع 34 دولة متقدمة، ارتفعت نسبة الوفيات بسبب الإرهاب بشكل رهيب سنة 2016 مقارنة بسنة 2015 التي شهدت لوحدها زيادة بمعدل 650% مقارنة بسنة 2014، وقد شهدت 21 دولة من بين 34 الأعضاء في المنظمة عملاً إرهابياً واحداً على الأقل سنة 2016، وكانت نسب الضحايا الأعلى بينها في كل من فرنسا وتركيا، بسبب هجمات داعش في مدينتي باريس ونيس، والهجمات الإرهابية الدامية لحزب العمال الكردستاني في تركيا.
ويتحمّل داعش والمجموعات المنضوية تحته وزر هجومات في 28 دولة سنة 2015 في زيادة مضاعفة عن هجماته سنة 2014 التي غطت 13 دولة فقط. وقد قفز عدد ضحايا داعش في OECD من 18 ضحية سنة 2014 إلى مايزيد على 313 سنة 2015، و شهدت هذه الدول 67 هجوماً ارهابياً سنة 2015 وقّع داعش أكثر هذه الهجمات دموية وعنفاً كهجمات بروكسل وتركيا.
وفي سجل الخسائر البشرية لهذه العنف غير المبرر سجلت 23 دولة سجلت أعلى نسبة وفيات فيها بسبب الإرهاب سنة 2015 في زيادة كبيرة على عدد الدول التي سجلت هذه النسب سنة 2014 والتي بلغت 14 فقط، وللأسف ضمّت القائمة دولاً إسلامية أكثر من أي مجموعة ثانية.
نزعات
تعتبر سنة 2014 السنة الأسوء من حيث الخسائر البشرية بسبب الإرهاب حيث وصل عدد القتلى 32.765 في 93 دولة شهدت أعمالاً إرهابية، كان وسقط اغلبهم في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، بينما لم تتجاوز خسائل الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً منذ سنة 2006 عدد 156 قتيلاً، على أن 98% من هذه الخسائر الأمريكية وقعت بسبب هجمات فردية، ولم تنتج على عمل منظم، كما هو عليه الحال في العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها من مناطق العالم الإسلامي التي تعاني من هذه الظاهرة.
وعلى صعيد المستوى الثقافي لمن يرتكبون هذه الأعمال يشير التقرير إلى أن النسبة الأكبر من المقاتلين الأوروبين الذي انضموا لداعش في سوريا ذوو مستوى تعليمي جيد أو عالي لكن ذوو دخل مادي ضعيف مما يولد لديهم شعور الإقصاء في مجتمعاتهم الأوروبية وبالتي يدفع بهم للتطرف. كما يشير التقرير إلى أن نصف العمليات التي ارتكبت بإسم داعش سنة 2016 ارتكبت من طرف أناس ليست لهم علاقة تنظيمية بهذا التنظيم، وارتكبوا أعمالهم الوحشية استلهاماً لشعاراته وأفكاره.
الجماعات الإرهابية
استحوذت المنظمات الإرهابية الأربع ( داعش، بوكو حرام، طالبان القاعدة) على نسبة 74% من القتلى نتيجة أعمال إرهابية سنة 2015، وبنسبة مقاربة لها سنة 2016، وقد تجاوز داعش وحشية بوكو حرام سنة 2015وسنة 2016 حيث قاد سنة 2015 مايزيد على 252 هجوماً دامياًفي مدن مختلفة خلفت مايزيد على 6141 قتيلا، وشهدت هذه النسبة انحساراً سنة 2016 بسبب انحسار قوة التنظيم في معاقله بالعراق. بينما تراجع عدد ضحايا بوكو حرام بنسبة 18% سنة 2016 وبلغ عدد ضحاياه 5478 قتيلا، وهذا يعود إلى الحملة المركزة التي تقودها ضده الحكومة النيجرية. أما عن القاعدة التي باتت منظمة ثانوية أمام التقدم السريع لداعش وبوكو حرام، فقد تراجع عدد ضحايا القاعدة بنسبة 17% سنة 2016 أي 1620 قتيلاً مقارنة بسنة 2015. وفي ظل التراجع المستمر للقاعدة سجلت حليفتها حركة طالبان زيادة في عدد ضحاياها سنة 2016 بنسبة 29% أي 4502 قتيلا من الشعب الأفغاني هذه السنة.
الأثر الاقتصادي للإرهاب
زاد تأثير الإرهاب سلبياً على الاقتصاد الدولي بنسبة 15% مقارنة بسنة 2014، وبلغ حجم الخسائر المادية 89.6 مليار دولار سنة 2015، ولم يتم بعد التعرف على الأرقام الدقيقة لخسائر الاقتصاد لسنة 2016، سببب تأخر الكثير من الدول في إعلان موازناتها والبيانات الاقتصادية المؤشرة. وقد تكبد العراق أعلى نسبة خسائر اقتصادية بسبب الإرهاب سنة 2015 وصلت إلى نسبة 17 % من الدخل العام لهذه الدولة التي كانت تعتبر من أكثر الدول استقراراً في الشرق الأوسط. ومن هذه المبالغ الضخمة للخسائر المباشرة للإرهاب تستحوذ تكاليف برامج مكافحة الإرهاب وفرض السلام على نسبة 2% من قيمة الخسائر الاقتصادية السنوية للإرهاب.
القرائن والمؤثرات في الإرهاب
أما في قسم الأسباب المباشرة والمحفرازات لهذه الظاهرة فقد أشار التقرير إلى أن 93% من الهجمات الارهابية مابين 1989 -2014 وقعت في دول يعاني سجلها الحقوقي من الضعف والهشاشة.كما ان 90% من كل الهجمات الارهابية التي وقعت في الفترة نفسها وقعت في دول تشهد اضطرابات وصراعات سياسية، وهو ما يبرر لنا التزايد الهائل لهذه الظاهرة في دول العالم الإسلامي التي يعاني الكثير منها من هشاشة في البنية السياسية والبشرية والإثنية. هذا بخلاف الدول التي تشهد استقراراً سياسياً واقتصادياً والتي لم تشهد من العمليات الإرهابية على أراضيها إلى ما نسبته 0.5 من الهجمات الإرهابية التي وقعت في الفترة نفسها.
حوصلة هجمات أشهر أربع جماعات إرهابية لسنة 2016
*الدكتور طارق العجال هو استاذ للتاريخ بجامعة عفت بمدينة جدة.