في عصر يسعى المتطرفون من كل الأديان والايديولوجيات للاستحواذ على العالم ومقدرات الشعوب والزج بها في متاهات الحروب والدمار وزرع الخوف والهلع بين الناس ومحو كل أمل في العيش المشترك واحترام سنن الله في الاختلاف، آن للعقلاء وأصحاب الضمير من كل ملة أن يضاعفو الجهد للحؤول دون تحقيق الغلاة لأجندتهم التخريبة من جانب، ومن جانب آخر بناء جسور العمل البنّاء وإحياء أخوة الإنسان وتجسيد مشاريع الخير، وقد يكون تغير الخطاب ولحن القول نقطة البداية لالتقاء الخيرين والصالحين من كل وجهة على إنقاذ الأرض ومن عليها.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (المؤمن مفتاح للخير مغلاق للشر). بل يقدم لنا القرآن الكريم أن أهل الكتاب ليسو صورة واحدة وبينهم أناس خيّرون وصالحون ويسعون إلى البر والتعاون (.لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران: 113-114) ويقول تعالى أيضا: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً) (آل عمران: 75).
بل لا تكاد تفرّق بين صفات المؤمنين وبعض صفات أهل الكتاب من خلال هاتين الآيتين وحتى في الواقع فها هو رئيس وزراء كندا ذو القلب الرحيم يعطف على اللاجئين السوريين ويقدم لهم المأوى والملبس والمأكل، في حين يدعو غيره من السياسيين إلى طردهم وغلق الأبواب في وجوههم .
في الأخير ستنتصر قيم الخير والصلاح وتهزم قوى الشر والظلم مهما كان دينها ولون بشرتهم ولغة لسانهم فالله لا يحابي أحد. لذا يجب على الإنسانية أن تتحد ضد الظلم أينما حل فالقضية بين ظالم ومظلوم وليس بين مؤمن وكافر، فقد يكون صاحب كتاب غير مسلم لكنه صالح ونافع للناس حوله خير من مسلم خمول كلّ على مولاه، أو مسلم فعّال ومنتج خير من صاحب كتاب مخادع ومفسد لأن الطبع البشري يحكم على الظاهر والله يتولى السرائر والنيات والجزاء والعقاب في الآخرة: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا) (125).
هذه الآية صريحة أن دخول الجنة بالعمل الصالح ورحمة الله وليس بالإنتماء إلى قبيلة ما أو رقعة جغرافية أو نسب . إنه عدل الله المطلق والبيان القرآني الحق.
نورالدين نويوات – أمريكا