كلمة الأمين العام

معالي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين

تعتبر ظاهرة التطرف والإرهاب من أخطر الظواهر التي حازت الاهتمام العالمي طيلة الثلاثين سنة الماضية، نظراً للوتيرة المتزايدة التي تطورت وفقها هذه الظاهرة، وتحولها إلى خطر عالمي يهدد كافة الأسس السياسية والثقافية التي رسختها المواثيق والأعراف العالمية، وهي وإن كانت ظاهرة عالمية لا تخص ديناً أو ثقافة دون غيرها إلا أن اشتدادها في العالم الإسلامي لأسباب عديدة كان هو المَعلَم الأهم في التطور المعاصر لهذه الظاهرة الضاربة قِدماً في التاريخ. ونظراً لكون عالمنا الإسلامي هو من يدفع القسط الأكبر من الفاتورة المؤلمة لهذه الظاهرة على حساب أمنه السياسي والاقتصادي والبشري؛ فإن تكثيف الجهود لمحاربة هذه الظاهرة يعتبر واجباً دينياً على كل مسلم كما هو واجب على كل حكومة أو منظمة. لذلك حملت منظمة التعاون الإسلامي على عاتقها مهمة التصدي لهذه الظاهرة التي تلبس لبوس الدين الإسلامي وتحرف مبادئه وتعاليمه السمحة لتبرير الفوضى والعنف في ربوع العالم الإسلامي الذي كان مضرب المثل في الأمن والاستقرار طيلة القرون الماضية، وكان مأوىً وملاذاً للشعوب الهاربة من الحروب والباحثة عن الأمن والسلام.

إنَ اهتمام منظمة التعاون الإسلامي بمواجهة ظاهرة التطرف والعنف يعود إلى عقود طويلة حين لم تكن الظاهرة تتصدر أخبار العالم، فقد صاغت المنظمة ميثاقها التأسيسي وفق فلسلفة ترى أن حفظ الأمن والسلام في العالم الإسلامي لا يتأتيان إلا بترسيخ قيم العدالة والتسامح وبناء قيم الوسطية والاعتدال في فهم المسلمين لدينهم وفي تنزيلات أحكامه على واقعهم وشؤونهم، لذلك حفل الميثاق التأسيسي وكافة المواثيق الصادرة عن المنظمة منذ تأسيسها سنة 1969م بالتأكيد على القيم الجامعة والمؤسسة للسلم والتعايش الدوليين.

ومع نهايات القرن العشرين وبدايات ولادة ظاهرة العنف المرتكب باسم الدين الإسلامي، كانت المنظمة من أول المنظمات الدولية التي أسرعت إلى سنّ القوانين والسياسات التي تمنع هذه الظاهرة من الاستشراء والانتشار، وتطورت سياسات المنظمة اتجاه هذه الظاهرة حسب مقتضيات المرحلة والقوالب التي كانت تبرز فيها ظاهرة العنف والتطرف. ومع بروز دور وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد أثرها على الحياة العامة واغتنام الجماعات المتطرفة لها لنشر ايديولوجياتها وأفكارها؛ سارعت المنظمة إلى تأسيس مركز صوت الحكمة الذي يتخذ من منصات التواصل الاجتماعي ميداناً لعمله ونشاطاته، وهو ينطلق من قناعة ترى أن أهم مستوى لمواجهة الفكر المتطرف هو مستوى مناقشة الأفكار، وأن الحرب على الفكرة الهدامة لا تكون إلا بدعم ومناصرة الفكرة البناءة والايجابية، وأن مواجهة فلسفة الفرقة والإقصاء لا تتم إلا بالتمكين لفلسفة التعايش والتسامح، ومادام أن الجماعات المتطرفة تستغل وسائل التواصل الاجتماعي فلابد من المهتمين بالتصدي لهذه الجماعات أن يوظفوا الوسيلة نفسها في حربهم ضدها.

وقد أتاحت الأمانة العامة لمركز صوت الحكمة كل الإمكانيات والتسهيلات للنشاط والعمل بغية تحقيق الأهداف المنوطة به، وأملنا كبير في أن تثمر جهود المركز في خدمة رسالة التسامح والتعايش، وأن يكون ذراع الأمانة العامة الفعّال في حربها ضد التطرف والإرهاب، وأن ينال دعم وتشجيع الدول الأعضاء المادي والمعنوي.

أمين عام منظمة التعاون الإسلامي

معالي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين