لايكاد العالم الاسلامي يلتقط أنفاسه من خبر حادثة ارهابية حتى يهتز على وقع حادثة أكثر دموية وما من أسبوع إلا والمنظمة تدين تفجيرا هنا وقتلا هنالك. فالعالم الاسلامي يعيش بل العالم برمته أخبار أحداث ارهابية بوتيرة وسرعة غير مسبوقة ما يستدعي لعلاج هذه الظاهرة المرضية بكل الوسائل المتاحة وتفنيد مستنداتها الايديولوجية.
لقد استشعرت منظمة التعاون الاسلامي بكافة أجهزتها حجم الخطر الذي يمكن أن يهلك الحرث والنسل في الدول الأعضاء ويشوه سمعة حضارة المسلمين، الأمر الذي جعل المنظمة تسعى لوضع تصور لمعالجته علي صعيد الفكر والفقه والثقافة، بعد أن كانت في طليعة المعركة ضد الارهاب ومن بين أول من صاغوا موقفا موحدا ضد هذه الظاهرة من خلال إصدار مدونة قواعد السلوك لمكافحة الارهاب الدولي وإتفاقية مكافحة الارهاب الدولي عام 1994 و1999م. وقد ظلت منظمة التعاون الاسلامي وفروعها ومؤسساتها وأجهزتهاحاضرة في المشهد، سالكة طريق الاعتدال ومعتمدة العديد من التصورات والقرارات والتوصيات.
إن ما تواجهه الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي والمجتمعات المسلمة بصفة عامة هذه الأيام من تحديات لم یعد مقتصرا في محاربة الفقر والبطالة ومكافحة المرض وتحسين ظروف الحياة المعيشية واللحاق بركب العمران والتقنية الحديثة، بل بات التحدي الأكبر هو كيف يتم الحفاظ على استقرار الدول والمجتمعات المسلمة في مواجهة الصراعات الفكرية التي انبثقت منها أفكار وايديولوجيات تؤثر سلبا على أمن هذه الدول واستقرار ها في الوقت الراهن.
لقد أصبحت القيم الإسلامية من المحبة والتعايش والسلم التي كانت تعتبر من النسيج القيمي في المجتمع الاسلامي في مهب الريح وضعفت الثقة وضمرت مفاهيم الأخوة والتعاون على البر والتقوى مما تطرح أسئلة مصيرية حيال مستقبل الأمة ومكانتها بين أمم العالم ودورها المنشود في السلم والاستقرار العالميين.
ومن أبرز تجليات هذه التحديات، تصاعد درجة العنف في الدول والمجتمعات المسلمة بشكل غير مسبوق، إلى جانب انتشار جغرافيا العنف ليشمل رقعة واسعة من العالم الإسلامي، حيث تحول العنف والنزاعات المسلحة إلى ظاهرة مستمرة تدور في حلقة مفرغة دون انتهاء.
ويبقى العامل الفكري إلى جانب بقية عوامل اجتماعية هو من أهم أسباب هذا العنف الأعمى الذي يضرب بلا هوادة في جسد الأمة المسلمة. فالعنف يتغذى على أفكار متطرفة، وفتاوى بدون ضوابط و أخرى شاذة وآراء متعصبة مبنية على التحريض والتكفير والتضليل والتفسيق واستباحة الدما تارة هنا وتارة هناك.
هذا الوضع المأساوي المؤسف أدى ويؤدي إلى تشويه صورة الإسلام في العالم، وأصبح دين الرحمة عرضة لتهم مثل الإرهاب، وبات المسلم عند البعض يساوي الإرهابي، وأصبحت القيم الإسلامية مثل المحبة والرحمة والإحسان والسلام والعدل والتسامح والشورى مجرد إدعاءات يحتاج إلى من يثبتها للعالم.
ومنظمة التعاون الإسلامية كمظلة يجتمع تحتها المسلمون، وكواجهة تمثلهم تشعر بمسؤولية تجاه هذا الوضع المأساوي وتعتبر التحرك لإيجاد أرضية فكرية وحوارية بين المسلمين لنشر الاعتدال والتعايش خطوة يمليها الواقع الإسلامي المرير. المنظمة تدرك من منطلق موقعها ومسؤوليتها أن احتواء الفكر المتطرف والشاذ داخل الجسد الإسلامي لن يتأتي إلا عبر تضافر الجهود الفكرية والثقافية المشتركة بين مفكري الدول الأعضاء وعلماءها وقادتها ومؤسساتها ودولها، وهو ما يحتم علينا ايجاد مركز للفكر والحوار.
وثمة دور ينتظر المنظمة باعتبارها صوت المسلمين الموحد ومظلتهم التي تستظل بها الكثرة الكاثرة من المسلمين؛ الكثرة التي لا غلو فيها ولا تفريط ولا يسار فيها ولا يمن وهي لن تجتمع على ضلالة.
في الوقت الذي يتهم الاسلام بالارهاب وفي الأيام التي يعلو فيها صوت التشدد على أصوات الجماهير الهادئة الرافضة للعنف والقتل والتكفير، شعرت المنظمة برفع الأصوات الناعمة الأصيل التي تنبعث من تاريخ المسلمين وحضارتهم.
إن الوصول إلى سلم عالمي يجد فيه الإنسان حريته و كرامته ورفاهيته يبقى هدفا يصبو إليه الدين الإسلامي إلى جانب بقية الأديان والثقافات العالمية. في هذا الاطار تبرز أهمية احتواء الأخطار التي تحدق بالإنسان في عالم اليوم، منها تلك الأفكار التي تغذي الاضطرابات وأعمال العنف عبر العالم الإسلامي اليوم دون رعاية حرمة او رقابة ذمة.
ويأتي انطلاق هذا المركز مساهمة من منظمة التعاون الإسلامي في خلق أرضية مشتركة لعلماء الأمة ومفكريها للاجتماع على موقف موحد للتعامل مع التحديات الفكرية وتبعاتها العنيفة في العالم الإسلامي. كما يأتي هذا المركز كخطوة متميزة لتبديد الصورة المشوهة التي يتم تقديمها عن الإسلام في العالم وترسيخ صورة الدين الحنيف عبر قيمه الأصيلة مثل السلم والأمن والانفتاح والتعايش.
وهذا المركز يعني بنشر الفكر الإسلامي المعتدل عبر مكافحة الافكار والاطروحات المتشددة والشاذة التي تشوه صورة الاسلام وتذكي أوار الصراعات الطائفية والحروب الطاحنة بين المسلمين. المركز يعتبر ملتقى للعلماء والمفكرين ينشرون عبره أفكارهم ويجمعهم في ندوات ومؤتمرات متخصصة ولقاءات عامة من أجل المزيد من التقارب بينهم وإيجاد أرضية مناسبة لتوحيد جهودهم الفكرية لاحتواء الأفكار والأطروحات المتشددة والفتاوى الشاذة التي تغذي العنف والتكفير في العالم الإسلامي.
كما أنه سيقوم برصد ومتابعةالادبيات الارهابية أو الخطابات التي تحمل طابع التطرف العنيف وتفكيك البنية التي تنبني عليها وينسق الجهود المبذولة من قبل الدول الأعضاء لاحتواء الاتجاهات الفكرية المتشددة المؤدية إلى الارهاب.
والمركز يقوم بطرح البديل الايجابي ونشر المفاهيم التي تحث على التعايش السلمي وبناء السلام العالمي على قيم العدل والمساواة وحقوق الإنسان ويسعى لخلق مزيد من الترابط والتواصل بين علماء النص والتراث وعلماء السياق والواقع، ومن ثم إيجاد أرضية مشتركة لمواجهة التحديات الفكرية التي تحدق بحضارة المسلمين وتستهدف اعتدالها ووسطيتها.
*السيد بشير أحمد أنصاري يعمل مديرا لادارة الحوار والتواصل بمنظمة التعاون الاسلامي.