في ضرورة تفكيك خطابات التطرف (الأحلام الأربعة)

من قسم افتراضي, المقالات. منذُسنة واحدة.2019-09-04T11:51:31+03:0012:00 صباحًا الخميس 13 أكتوبر 2016 م / _13 _أكتوبر _2016 ه‍|

ثانيا- الأحلام الأربعة:

أـ حلم الصفاء:

بلور العديد من المصلحين في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي حلمَ الصفاء، بحيث أفضت بهم تشخيصاتهم للأزمات التي كانت تعاني منها الأمة ساعتئذ، إلى قناعة مفادها أن الانعتاق منها لا يكون إلا بالرجوع إلى الأصول، غير أن أجرأة هذا الحلم / المشروع قد انداحت نحو وِجهات لم تكن آمنة العواقب، من مثل الدعوة للضرب بعرض الحائط كل المذاهب الإسلامية الشامخة والوضيئة، ومن مثل إشهار مقولة “نحن رجال وهم رجال” للقفز على جهود العلماء السابقين، ومن مثل  دعوى بناء الفقه على الأدلة التي لم يتم تكييفها بالشكل العلمي المطلوب، ومن مثل إشهار قول الإمام الشافعي محمد بن إدريس (ت204ه) “إذا صح الحديث فهو مذهبي”[1]، دون لف ذلك، ومواكبته بالنسيج الفقهي المقتضى.

ولئن كانت وراء هذه الاندياحات مقتضيات استراتيجية معلومة لدى بعض الدول الكبرى في تلك الفترة كانت تتغيى إضعاف الدولة العثمانية، وتسعى إلى تفكيكها، فإن القابلية لابتلاع هذا الطعم، تبقى سببا رئيسا. وجليّ أن مآل هذا الحلم بعد أضرب اليأس التي خلفتها تجارب في المنطقة كالتجربة الطالبانية، ومثيلاتها، كان هو استعادته، من قبل النائشة (الفتنوية) التي تكلم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ب ـ حلم الوحدة:

بعد انهيار الخلافة العثمانية سنة 1924، الذي بدا كأنه كان فجائيا بيد أنه لم يكن كذلك، إذ كانت معالمه لائحةً في الأفق قبل عقود عديدة، من ذلك التاريخ، ترُكت جملة من الأمصار لذواتها، بسبب تعطل آلية ورود “الفرمانات” من الباب العالي من الأستانة، والتي بها كانت تدار شؤون تلك الأمصار من خلال الباشوات المقيمين فيها. فكان شعور أهلها كشعور الأيتام الصغار عند وفاة والدهم. فتم اجتيال جهود العديد من المصلحين بسبب هذا الشعور مما تأثرت به تشخيصاتهم، فرفعوا شعار إعادة بناء الخلافة، في اعتقاد شبه جازم أنها القرص الشافي لجميع العلل والأدواء (مات الأب فلنبحث عن الأب ! ) في ذهول عن وجوب البناء القبلي لشروط الخلافة العلمية، والمعرفية، والكفاياتية، والمؤسسية.

وقد سلخت الأمة عقودا مديدة عدواً، وراء جملة من السرابات، ذات الصلة بهذه القضايا. وتسلل أقوام من بوابة هذا الحلم لكي يستقطبوا ناشئة من أبناء هذه الأمة، غير أن عدم تحقيق الماصدق، قد خلّف بدوره جملة من أضرب اليأس، مما أتاح الفرصة أمام التيارات الفتنوية للقول، “نحن لها”، مما كانت له الآثار الناسفة التي نشهدها اليوم بسبب الذهول عن الشروط سالفة الذكر.

ج ـ حلم الكرامة:

انخرط جلّ شباب المنطقة إثر المعاناة الطويلة، ومتعددة الأبعاد، لتحقيق حلم الكرامة ضمن ملاحم ما بات يعرف بالربيع العربي، غير أنه من اليسير رصد عدم تحقق (ماصدق) ذلك، مما خلف أيضا أضربا من المرارة والإحباط، وهو ما أفسح المجال أمام الناشئة الفتنوية لإشهار هذا الحلم الثالث أيضا.

دـ حلم الخلاص:

من خلال الترويج لمقولة، الطائفة الناجية، والطائفة المنصورة، وأن ما سوى هذه الطائفة يعيشون في ضلال، ومصيرهم النار، وما إلى ذلك من أقوال وفهوم يتم الترويج لها، مستعينين في ذلك بشبكة من المفاهيم الخادمة لهذا الحلم في نظرهم.

إن الطبيعة الجيواقتصادية، والجيواستراتيجية، والجيوإثنية، وكذا الجيودينية للمنطقة العربية الإسلامية خصوصا، والإسلامية عموما، تتيح ما يكفي من مقومات، لتأجيج نيران حروب مؤسسة على الدين أو على الطائفية أو القبلية، في غياب امتلاك ما يلزم من مؤهلات وقدرات تبيّنية، وتفهمية، وتفكيكية، واستذكارية، وتدبيرية، وحوكمية، إلى درجة أن عددا من المحللين أصبحوا يرون اندلاع ما بات يسمّى بـ”حرب الجيل الرابع” قد أصبح وشيكا، في ظل ضعف النخب السياسية وغموض أو عمومية برامجها، وفي ظل تفكك وضعف نظم التربية والتكوين والإعلام، وفي ظل الانفجار السكاني غير المؤطّر، وكذا بسبب أن جل الساكنة في دول المنطقة، هم من الشباب الذكور العاطلين، ذوي الاتصال الموجّه بشبكة الإنترنت، وبكم هائل من القنوات الفضائية، علما بأن بعض الجهات في المنطقة وعبر العالم ترى، بسبب غنى المنطقة، إمكانية الاستفادة ريعيا وإيديولوجيا من حرب “الجيل الرابع” المذكورة آنفا.

* الأستاذ الدكتور أحمد عبادي هو أمين عام الرابطة المحمدية للعلماء في المملكة المغربية


[1] ـ وقد ألف الإمام السبكي كتاباً أسماه: “معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي”.