قراءة في الخلفية العلمية لدعاة التطرف

من قسم افتراضي, المقالات. منذُسنة واحدة.2019-09-04T11:51:06+03:0012:00 صباحًا الجمعة 14 أكتوبر 2016 م / _14 _أكتوبر _2016 ه‍|

الباحث والمتقصي للأدبيات والفقهيات الجهادية التي تستند لها التنظيمات الجهادية في عالمنا الإسلامي يُصدم بحقيقة أن هذه الأدبيات كتبت من طرف أناس لا علاقة لهم بالعلم الشرعي، وأنه لم يكتب أي منها من طرف عالم معروف مشهود له بالعلم والافتاء. كما وأن أغلب إن لم نقل كل قادة الجماعات الجهادية لم يتلقوا تعليماً دينياً رصيناً ولم يتدرجوا من مراتب العلم والتعلم والاجتهاد بما يسمح لهم بأن يتصدروا الفتوى وينسبوا لأنفسهم حق الدفاع عن الدين، وبالتي أن تصدر منهم بلاوى وفتوى جرّت ولا زالت تجرّ على المسلمين الويلات، وكأن النبي كان يقصد هؤلاء تحديداً في الحديث الشهير: “إن الله عز وجل لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساً  فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”.

لذا لا عجب أن يسمح هؤلاء لأنفسهم بإصدار الفتوى في دماء المسلمين وحياتهم فيبيحون تفجير الناس في أسواقهم، ومساجدهم، وجامعاتهم دون أن تتحرك فيهم شعرة. إن بروز هذه الظاهرة وهذه الجرأة على الدين تقف أمام نموذج مناقض لها وصارم جداً كان عليه سلف هذه الأمة في التعامل مع الفتوى وشروطها وشروط المتجهد والمفتي التي يقضي الدارس شطري حياته لتحصليها ليتأهل للفتوى، إن المتأمّل في شروط الاجتهاد والإفتاء التي اجتهد علماؤنا عبر القرون في تحريرها وتحقيقها يقف مصدوما أمام جرأة دعاة الجهاد وأعلام الحركة السلفية الجهادية على الفتوى وإباحة الدماء ولم يحصّل أحدهم أي نصيب من العلم.

إن جرأة هؤلاء على دين الله والافتاء فيه تنمّ عن جهل بأبسط أبجديات الدين، وتتناقض على طول الخط عن ما ورثنه عن سلفنا الصالح من التحفظ عن الفتوى، حيث كان السلف أحجم الناس عن الافتاء خوفاً على دينهم ودين الناس. قال ابن ليلى: “أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فما كان منهم مفتٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا”. وهذا الإمام الأعظم أبو حنيفة يقول: “من تكلَّم في شيء من العلم وهو يظن أن الله – عز وجل – لا يسأله عنه: كيف أفتيتَ في دين الله؟ فقد سهُلت عليه نفسه ودينه”. ويقول سفيان بن عيينة ” أعلمُ الناس بالفتيا أسكتُهم عنها، وأجهلهم بها أنطقهم فيها.”  وتشتهر بيننا قصة -إمام دار الهجرة- الإمام مالك حين سأل في مسألةٍ من رجلٍ غريب، فأجابه: لا أدري، فيقول: يا أبا عبدالله، تقول: لا أدري؟! قال: نعم، وأبلِغْ من ورائي أني لا أدري. بينما يصف أبو داود شيخه أحمد ابن حنبل في تورّعه عن الفتوى وحذّره فيها: “ما أُحصي ما سمعتُ أحمدَ بن حنبل سُئل عن كثير من مسائل الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري”.

وأترك القارئ هنا أمام هذه الاحصائية السريعة للمستويات العلمية لقادة حركة ما يسمونه بالجهاد والسلفية الجهادية بين القادة العسكريين والمنظّرين ليحكم بنفسه على حجم كارثة تنطع هؤلاء وجرأتهم على الله.

الإسم المنظمة المستوى العلمي
أسامة بن لادن مؤسس القاعدة بكالوريوس إدارة واقتصاد
خالد شيخ محمد مخطط هجمات 11/9 بكالوريوس علوم، وماجستير في التاريخ الإسلامي
محمد عاطف المصري القائد العسكري للقاعدة مهندس زراعي
أبو عبيدة البنشيري قائدة القاعدة في افريقيا شرطي(بدون مستوى جامعي)
أيمن الظواهري قائد القاعدة جراح
ناصر عبد الكريم الوحيشي قائد فرع القاعدة في الجزيرة العربية بدون مستوى تعليمي
أبو مصعب الزرقاوي قائد فرع  القاعدة في العراق مستوى ثانوي
أبو بكر البغدادي قائد داعش دكتوراه في الشريعة أو دكتوراه في علوم  التربية
محمد الظواهري من قادة الجماعة الإسلامية. مصر مهندس
سيف العدل من قادة القاعدة عقيد في الجيش المصري
محمد عبد السلام فرج من منظري الحركة الجهادية مهندس الكترونيك
شكري مصطفى مؤسس حركة التكفير مهندس زراعي
عبود الزمر من قادة الجماعة الإسلامية. مصر ضابط مخابرات
أبو سياف قائد جماعة أبو سياف شهادة جامعية في الهندسة
أبو زبيدة قائد بارز في القاعدة مهندس كمبيوتر
أبو الفرج المصري قائد في جبهة النصرة مهندس كمبيوتر
أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة بكالوريوس إعلام
محمد الفزازي منظر التيار الجهادي في المغرب ماجستير في الحديث الشريف
أبو قتادة الفلسطيني من منظري السلفية الجهادية دكتوراه في الدراسات الإسلامية
عمر عبد الرحمن منظر الجماعة الإسلامية في مصر دكتوراه في الشريعة الإسلامية
أبو يحيى الليبي قيادي بارز في القاعدة بدون مستوى، درس سنتين في موريتانيا
عبد الحكيم بالحاج الجماعة الليبية المقاتلة مهندس مدني
الخطيب الادريسي منظر أنصار الشريعة بتونس ممرض
أبو عياض التونسي زعيم أنصار الشريعة بتونس باكلوريوس علوم قانونية واقتصادية
أبو عمر البغدادي ثالث قائد للقاعدة في العراق جندي بدون مستوى
أبو حمزة المهاجر ثاني قائد للقاعدة في العراق بكالوريوس علوم إسلامية
أبو مصعب السوري قائد ومنظر في القاعدة مهندس ميكانكي
أبو محمد المقدسي من منظري السلفية الجهادية سنة ثالثة علوم
عبد الله الرشود السبيعي منظر القاعدة في جزيرة العرب بكالوريوس علوم إسلامية
عطية عبد الرحمن من قادة القاعدة بدون مستوى علمي
سعيد المصري الرئيس المالي لتنظيم القاعدة بدون مستوى علمي
ممدوح محمد سالم من مؤسسي القاعدة مهندس اتصالات
جمال أحمد محمد الفضل من مؤسسي القاعدة جندي
سيد امام من منظري السلفية الجهادية جراح تجميلي
محمد لؤي بايزيد من مؤسسي القاعدة مهندس
أنور العولقي قائد القاعدة في الجزيرة العربية مهندس مدني
أبو حمزة المصري منظر للسلفية الجهادية مهندس مدني
أبو عمر الشيشاني قيادي في داعش رقيب في الجيش الجورجي
جون الجهادي قيادي في داعش بكالوريوس أنظمة معلومات
أبو محمد العدناني قيادي في داعش بدون مستوى علمي
أبو علي الأنباري قيادي في داعش معلم فيزياء
أبو مسلم التركماني قيادي في داعش عقيد في الجيش
أبو بكر شيكاو قائد بوكو حرام بدون مستوى علمي

من الجدول يتّضح أن المؤسسين الستة الأوائل للقاعدة لم يكن فيهم شخص واحد متخصص في الشريعة والدراسات الإسلامية، لكنهم من ذلك تجروأ في الفتوى وإصدار الأحكام التي بررت لكل الأعمال التي ارتكبوها، كما أن 3 فقط من 44 من قادة ومنظري هذه الحركات تحصل على شهادة دكتوراه في إحدى فروع الدراسات الإسلامية، وهي درجة لا تسمح لحاملها بتصدر الفتوى بأي حال من الأحوال، كما أن 13 منهم كان مهندساً في إحدى فروع علوم المادة، مما ينزع عنهم أي علاقة بالعلوم الإسلامية، كما أن 10 منهم بدون مستويات علمية أكاديمية حيث لم يتعدوا عتبة المدرسة الثانوية، أو لم يتمكنوا من إتمام دراستهم الجامعية، على أن 7 منهم ذوي خليفة عسكرية، تخرّجوا من كليات عسكرية أو أمنية. أمام هذا العبث والجرأة تستوقفنا  للمقارنة مقولة الإمام الشافعي الذي عدّد شروط المفتى قائلا ” ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله! فرضه، وأدبه، وناسخه، ومنسوخه، وعامه، وخاصه، وإرشاده، ويستدل على ما احتمل التأويل منه بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإذا لم يكن إجماع فبالقياس” لنقول ماذا حصّل هؤلاء من الشروط التي ذكرها الإمام الشافعي حتى ينكبوا الأمة بما نكبوها به.

أمام ما ذكرناه من تحرّز السلف الصالح في الفتوى وتشدّد العلماء في تحديد شروطها، تبرز أمامنا من القائمة السابقة أسماء ليس لها من العلم في كتاب الله شيء، لكنها تجرأت وأفتت في مسائل كبرى أريقت بها دماء المسلمين بالآلاف والحبل على الجرّار كما يقولون، فمؤلف كتاب ” العهدة في إعداد العدة” الذي تعتبر دستور القاعدة وكتابها الأول الذي يدرّس لكل المنخرطين فيها لم يؤلّفه عالم ضليع في العلم زاحم العلماء وصرف أشطار حياته في التحصيل والتنقيب في الكتب، بل كان جراح عمليات تجميلية  وهو سيد إمام الشريف، ففي الزمن الذي يجرأ فيه جراح تجميلي على الفتوى في دماء المسلمين يتورّع ويرتعد أبو بكر الصديق صديق هذه الأمة في أن يبدي رأيه في معنى كلمة في القرآن الكريم لا يعرف معناها وهو العربي القرشي الأصيل قائلاً حين سئل عن قول الله تعالى: ” وفاكهةً وأباً” فقال: أي سماء تظلني؟! وأي أرض تقلني؟! إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. وفي الوقت الذي يحجم عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن الإفتاء في مسألة من مسائل الأعمال اليومية قائلا: «لا علم لي…وَابَرْدَهَا عَلَى الكَبِدِ: سُئِلْتُ عَمَّا لا أَعْلَمُ، فَقُلْتُ: لا أَعْلَمُ» يتجرأ مهندس الاتصالات ” ممدوح محمد سالم” على اصدار فتوى التترس التي تبيح قتل المسلمين إذا تترس بهم العدو أو كانوا بين مجموعة من الأعداء، مستنداً في ذلك على فتوى سابقة لابن تيمية وكأن مهندس الإتصالات  هذا له علم وعقل وتمكّن ابن تيمية في العلوم، والأعجب من هذا كله أن يكتب كتاب” الجهاد الفريضة الغائبة” الذي لازال يعتبر سند الحركات الجهادية ويمدهم بما يبحثون عنه لتبرير عنفهم؛ مهندس في الالكترونيك وهو محمد عبد السلام فرج، لم يعرف له تاريخ مع علوم الدين ومصاحبة العلماء، لكن سهل عليه أن يصدر كتاباً كرث به الأمة إلى يومنا هذا. في الختام ألا ترون معي أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الشهير ” سيأتي زمان تكثر فيه القراء ويقل الفقهاء ويقبض العلم ويكثر الهرج. قالوا :وما الهرج؟قال: القتل بينكم، ثم يأتي بعد ذلك زمان يقرأ القرآن الرجل لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي بعد ذلك زمان يجادل المنافق الكافر المشرك بالله المؤمن بما يقول”. ثم ألا يدعونا هذا إلى إعادة النظر في ثبوت الحديث الذي أورده نعيم ابن حماد في كتاب الفتن: الذي يقول”حدثنا الوليد ورشدين عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن أبي رومان  عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: “إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض فلا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم، ثم يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى  ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتى يختلفوا فيما بينهم، ثم يؤتي الله الحق من يشاء”. هذا الحديث وإن كان قد طعن في صحته بعض علماء الحديث، لكن أحداث الأيام وما نراه من داعش ومثيلاتها يصدّقه ويعطيه أسساً من المصداقية.


*الدكتور طارق العجال هو استاذ للتاريخ بجامعة عفت بمدينة جدة.