هل يمثل الإرهاب حقاً خطراً وجودياً على الغرب؟

من قسم افتراضي, المقالات. منذُسنة واحدة.2019-09-04T11:50:20+03:0012:00 صباحًا الخميس 10 نوفمبر 2016 م / _10 _نوفمبر _2016 ه‍|

أدخلت أحداث 11 من سبتمبر العالم في دوامة ما سمي: “الحرب على الإرهاب”، التي باتت تصور على أنها أهم قضية  تؤرق العالم واستقراره، وتعرضت العديد من المسلمات الحقوقية في الغرب وغيره إلى الانتهاك بتبرير الحرب المعلنة على الإرهاب وحفظ أمن الشعوب والدول، ولم تزد هذه الحرب الإرهاب إلا اشتعالاً والعنف ازدياداً لأن مساحة الظلم التي فتحتها وصلت إلى مناطق لم تمسها يد العنف في عالم ما قبل 11 من سبتمبر، طبعاً الأسباب الحضارية واضحة من هذا التضخيم العنيف لهذه الظاهرة، واختيار الإسلام والعالم الإسلامي كطرف في هذه الحرب له ما يبرره في أجندة الغرب السياسية والاقتصادية، الذي يسعى إلى إدامة هذه الظاهرة وتمديدها طالما الأهداف من ورائها لازالت تتحقق، نحاول في هذه الورقة عرض جانب عن حقيقة هذه الحرب وهل كانت المخاوف المعلنة حولها مبررة فعلا وبالتالي السياسات المستحدثة نتيجة عنها لها مسوغات مقبولة.

اعتادت لغة الأرقام والاحصاءات على تكذيب مقولة أن الإسلام طالما التصق اسمه بالعنف والتطرف، ففي بحثها الرائع “القنابل البشرية: إعادة النظر في الدين والإرهاب” أثبتت الباحثة الأميركية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا نيكول أركو والتي قضت سنتين في إسرائيل والضفة الغربية وغزة، في إعداد  دراستها عن العمليات الانتحارية ودور التعليم الديني في التحريض على مثل هذه الأعمال؛ تؤكد نيكول بلغة الأرقام أن “هناك أكثر من عشرة آلاف مدرسة دينية في باكستان لم يخرج من خريجيها إلا انتحاريين اثنين فقط: أحدهما فجّر نفسه في أفغانستان، والآخر فجر نفسه في العراق“. كما أشارت الدراسة إلى أن تحقيقات ميدانية أجريت على 172 عضواً في السلفية الجهادية العالمية أثبتت أن 8% منهم فقط قدموا من مدارس دينية داخلية في إندونيسيا وباكستان، والباقي لم يتلقى أي تعليم ديني رسمي، كما أثبتت أن 78% منهم التحقوا بالشبكات الجهادية في بلدان غير وطنهم، وفي غالب الأحيان في بلدان أوروبية وأميركية، كردة فعل على الاقصاء والضغوط النفسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية التي يتعرضون لها مما ولّد الشعور بالإهانة لدى هذه الشريحة ودفعهم للتطرف. مما أوصل الباحثة للقول أن “الإسلام ليس دافعا للإرهاب، لكن بعضهم يوظّف الدين الإسلامي  لتبرير أفعالهم العنيفة لضمان تقبّل مجتمعي لها”. وهو ما حدث ولا زال يحدث مع حول الحركات الثورية اليسارية واليمينية منها التي تستلهم ما يمكنه تعبئة وحشد الجماهير مع مطالبها وليس هناك أكثر تأثيرا من الدين في نفسيات الجماهير، لذا تبرر به الحركات سياساتها وأعمالها. ومع ذلك تبقى نسب جرائم هذه الشريحة (شريحة الدراسة)  ضئيلة جداً أمام إرهاب منظمات أخرى لا تنتمي للإسلام بأي صلة ففي مارس 2007 أصدرت منظمة الشرطة الأوروبية تقريراً عن وضع واتجاه الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، جاء فيه أنه في سنة 2006 لوحدها حدثت 498 عملية إرهابية في دول الاتحاد الأوروبي 424 منها قامت بها منظمات انفصالية، و55 عملية قامت بها منظمات يسارية، و18 عملية قامت بها منظمات إرهابية مختلفة، وعملية واحدة فقط نفذت من طرف مسلم في ألمانيا! أي بنسبة 0.2%.،  مع هذه الفوارق العددية الكبيرة ومع ذلك فإن عدد المعتقلين المسلمين بتهمة الإرهاب في السنة نفسها حسب التقرير نفسه وصل إلى 257 من مجموع 706 معتقلين أي بنسبة 36.4%، في حين لم يعتقل من الانفصاليين سوى 226 شخصا بنسبة 32% رغم أن نسبة عملياتهم بلغت 85.1%. ومع ذلك اعتبر التقرير أن مواجهة “الإرهاب الإسلامي تعد بمثابة أولوية” بالنسبة لدول الاتحاد مما يضعنا أمام ظاهرة تهويلية تضخيمية لهذه الظاهرة ومحاولة مستميتة لإلصاقها بالمسلمين، بأي طريقة كانت، بالرغم من التقارير المفندة لذلك مثل تقرير معهد الاقتصاديات والسلام لسنة 2015 الذي أفاد بأن الهجمات التى ضربت العواصم الأوروبية من لندن إلى مدريد فى العقدين الأخيرين كانت نتاج عمل جماعات متطرفة منظمة، موضحاً أن نحو 70٪ من الوفيات الناجمة عن الإرهاب فى الدول الغربية فى الفترة بين 2006 و 2014 كانت نتاج ما وصفته بـ«الذئاب» المنفردة التى تحركها المشاعر المناهضة للحكومات أو المعارضة لعدد من القضايا مثل الهجرة وحقوق المثليين والإجهاض.

أما عن الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية فالأرقام أيضا تفنّد كون المسلمين والإسلام هم من يشكل خطراً على الأمن الأمريكي ففي إحصاءات لوزارة الخارجية الأميركية عن الإرهاب فيما بين سنتي 1997 -2002 اعتبرت 77 عملية منها بمثابة عمليات إرهابية ضد أهداف أميركية وقعت  46 منها في أميركا اللاتينية، و16 عملية حدثت في الشرق الأوسط. كما وقعت 355 عملية في سنة 2001 اعتبرت بمثابة إرهاب دولي، منها على سبيل المثال 29 عملية فقط في منطقة الشرق الأوسط، و201 عملية ارتكبت في أميركا اللاتينية ضد أهداف غربية والأمريكية منها بشكل خاص..

الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة مابين 1980-2005. من موقع FBI

وفي مقال صادم وممتع  نشره موقع لونواتش Loonwatch تحت عنوان ” كل الإرهابين مسلمين إلا 94% منهم ليسوا مسلمين” تعرّض فيه لتفاصيل دقيقة لكافة الأعمال الارهابية المرتكبة في الولايات المتحدة والمنشورة والموثقة على موقع وكالة الأمن القومي. حيث يورد الموقع كافة الأعمال الإرهابية المرتكبة في الولايات المتحدة منذ سنة 1980 إلى غاية 2005، ويتّضح من القائمة أن ما ارتكبه مسلمون من أعمال إرهابية في الولايات المتحدة لم يتجاوز عتبة 6%، بينما وصلت نسبة ما ارتكبه اليهود مثلا  نسبة 7%، بينما كان العدد الأكبر من هذه الأعمال من توقيع منظمات أمريكية لاتينية بحوال 42% وجماعات اليمين المتطرف بنسبة 24%.

وفي دراسة أخرى مستوفية وصادمة للجمعية الوطنية لدراسات الإرهاب التابعة لجامعة ميريلاند بالولايات المتحدة صدرت في سبتمبر 2015 اثبتت وبالإحصائيات الدقيقة أنه منذ 1970 قتل 3305 أمريكياً بسبب أعمال إرهابية في الأراضي الأمريكية، هذا مع احتساب قتلى هجمات 11 من سبتمبر، وبدون احتسابهم فكل القتلى لم يتجاوز عددهم 397. كما أثبتت الدراسة أنه منذ 11/9  إلى تاريخ الدراسة (سبتمبر 2015)  فإن احتمال أن تموت في الولايات المتحدة نتيجة عمل ارهابي هي 1 من  110.000.000، وقدمت الدراسة مقارنات عجيبة بين بين أعداد القتلى بسبب أعمال إرهابية والقتلى بأسباب أخرى كقتلى حوادث السيارات التي بلغت خسائرها البشرية 32.999 قتيلاً سنة 2010، أو القتلى بسبب الغرق الذين وصل عددهم في السنة نفسها إلى 3.841، أو القتلى بسبب الانتحار الذين تجاوز عددهم 38.369، أو ضحايا سوء التغذية الذين بلغ عددهم 2.791، أو القتلى بسبب صعقات البرق الذين تجاوز عددهم 29 في السنة نفسها. والمفارقة أنه في السنة نفسها (2015) قتل 4 فقط بسبب أعمال صنفت على أنها ارهابية، ومع ذلك صرفت حكومة الولايات المتحدة من الخزينة العمومية سنة 2015 مايزيد على 16 مليار دولار على جهود مكافحة الإرهاب الداخلي، ويشير جون مولر عالم السياسة في جامعة أوهايو إلى أنه مع احتساب كافة مصاريف برامج وكالات الأمن والاستخبارات فإن المبلغ يصل إلى 75 مليار دولار دون احتساب كلفة الحروب الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة فيما تسميه الحرب ضد الإرهاب.

هذا التضخيم المتعمد أعربت عنه وبشكل صريح وواضح دراسة سابقة صدرت عن جامعة ديوك وجامعة نورث كارولينا سنة 2010  أثبتت أن خطر الإرهاب من المسلمين الأمريكين تم التلاعب فيها وتضخيمه بشكل غير معقول بما يتعارض مع الحقائق الموجودة على أرض الواقع.

هذه الأرقام وغيرها باتت تتداول بشدة في الآونة الأخيرة ودفعت الكثيرين إلى الخروج عن صمتهم في الإعراب عن هذا الحيف مثل عالم النفس الشهير  في جامعة هارفارد ستيفن بينكر، الذي نصح في العديد من المرات الدول الغربية  بالتوقف عن التهويل من خطر الإرهاب الإسلامي، ودعى إلى التعامل مع هذه الظاهرة بمستواها الحقيقي دون التهويل والنفخ فيها، ومن أشهر هذه الأسماء يبرز جون مولر عالم السياسة في جامعة اوهايو  صاحب كتاب ” اصطياد الاشباح” الذي أثبت فيه بالكثير من الاحصائيات والتقارير الرسمية أن ما يسمى الحرب على الإرهاب ما هو إلا كذبة كبرى وأنها مجرد بقرة مقدسة يستخدمها الساسة والجهات النافذة في الولايات المتحدة وأوروبا لتمرير مخططاتهم وبرامجهم التي لم تكن ستقبل في مجتمعاتهم الديمقراطية في غياب جو من الرعب والخوف من عدو يشكل خطراً وجودياً على دولهم. هذه التصريحات لم تقتصر فقط على العلماء والمحللين بل وصلت لحد الشخصيات الرسمية كريتشارد ديرلوف الذي شغل منصب رئيس وكالة الاستخبارات البريطانية ( 2002-1999) أثناء الغزو الأمريكي البريطاني للعراق، حيث أقر في لقاء صحفي في جويلية 2014 بأن خطر الإرهاب الإسلامي ضخم بشكل كبير جدا في الغرب ودون أي مبرر منطقي معلن، مشيراً إلى أن الإرهاب لم يشكل هاجساً حقيقياً لأروربا وبريطانيا بشكل خاص كما هو الحال بالنسبة للدول الإسلامية التي عانت حقيقة من هذه الظاهرة. هذا التصريح من هذه الجهة الرسمية أعقبه اعتراف وزير الأمن الداخلي في عهد جورج بوش توم دريجن (2005-2003) الذي اعترف بأنه تعرض لضغوط إبان إداراته للوزارة من أجل المبالغة في توصيف خطر الإرهاب الإسلامي من أجل مساعدة جورج بوش في حملته لعهدة رئاسية ثانية. الأمر الذي دفع بشخصية رسمية مرموقة من في مكانة  زبيغنو بريجنسكي مستشار الأمن القومي السابق (1981-1977) ومستشار  الرئيس أوباما أن يصرح وبشكل صريح وجريء أن الحرب على الإرهاب ما هي إلا:” رواية تاريخية أسطورية”.

أمام هذا التهويل لهذه الظاهرة في الغرب بالرغم من ضآلة مخاطرها، تبدوا المعادلة مختلفة في العالم الإسلامي، الذي لازالت هذه الظاهرة تدميه، وتسبّب فيه الكثير من الأوجاع، وبالرغم من أنها فرضت عليه خدمة لأجندة لا يلعب فيها دوراً سوى دور الضحية.