عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى) رواه البخاري ومسلم
لعله لم يوظف حديث من الأحاديث الصحيحة في تبرير العنف ونبذ الآخر كما وظف هذا الحديث، كما لم يستغل حديث آخر لاتهام الإسلام بكون دين عنف وانتشر بالسيف كما استغل هذا الحديث، الذي وقع فيه اللبس على غير المسلمين وعلى كثير من المسلمين على حد سواء.
الحديث من جهة اسناده متفق عليه ومروي من عدة وجوه ورواة منهم ابن عمر و أنس ابن مسعود وعبد الله بن عمرو ابن العاص وأبو هريرة وقد رواه عن أبو هريرة أزيد من 30 تابعياً، وبالرغم من ملاحظات ابن حجر على اسناد الحديث في شرحه لصحيح مسلم لكن تلك الملاحظات لا تنقص من قوة الحديث وثبوته.
الإشكاليات في هذا الحديث تتبلور في مجملها حول نقطتين هما:
تعارضه الواضح مع جملة عديدة من آيات القرآن الكريم التي تضمن حرية الدين لغير المسلمين من قبيل قوله تعالى: َ” “فمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، وقوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6]، وقوله تعالى “إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48]، كما وقوله تعالى: ” لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22].
دلالته على إباحة ابتداء القتال لمجرد كون المقاتلين غير مسلمين، وبالتالي جواز جهاد الطلب بما يناقض صريح القرآن الكريم في الآية الكريمة:”وقاتلوا في سبيل الله ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” [البقرة: 190].
والباحث في تفسير علماء الإسلام لهذا الحديث وتوجيهاتهم له قديماً يقف على نقيض ما يسود عند دعاة الحركات الجهادية الحالية التي توظف الحديث في تبرير اجندتها الجانحة والجامحة، حيث تخالف فهومهم الفهوم الصحيحة والصريحة لعلماء الأمة وعلى رأسهم الأئمة الأربعة. حيث أجمع الأئمة الأربعة على كون لفظ الناس في الحديث عموم يراد به الخصوص، أي أنه لفظ عام يراد به مجموعة خاصة من الناس وليس عموم الناس في العالم، بل المقصود هم كفار قريش الذين ناصبوا الرسول العداء وبذلوا الغالي والنفيس في قتاله ومحاولة استئصال دينه، لذا أمر بقتالهم دفاعا عن دينه وأتباع دينه. وليس المقصود أن النبي مأمور بأن يقاتل كافة الأمم حتى تؤمنوا به. ودلالة لفظ الناس الخاصة بالرغم من كونه لفظاً عاماً تتشابه مع دلالة لفظ الناس في قوله تعالى:” الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم” و المجمع عليه في الروايات التاريخية أن الناس الأولى هو شخص واحد وهو الصحابي نعيم ابن مسعود الثقفي في غزوة الأحزاب حين أوقع الفتنة بين الجيوش المجتمعة لقتال المسلمين على أعتاب المدينة المنورة.
ويلفتنا في هذا المقال تفسير جميل لشيخ الإسلام ابن تيمية لهذا الحديث حيث قال أن الحديث لا ينبغي أن يفهم منه أن الرسول مأمور بقتال كل عباد الله لادخالهم في دينه وإنما الحديث جاء لبيان الغاية التي أمر النبي أن يُنهي قتاله لمن أمر بقتاله عندها، ومعنى كلامه أن المقصود بالحديث هو بيان إلى أي مدى يجب على النبي مواصلة قتال من يقاتله، والمدى حسب الحديث هو دخولهم في الإسلام أو توقف عدوانهم عن المسلمين. وقد سرد ابن تيمية وجمع غفير من علماء المسلمين عشرات الأدلة للتدليل على هذا الفهم الجميل لهذا الحديث منها موقف النبي من كفار قريش يوم فتح مكة، حيث أعطى الأمان لكن من دخل بيته وأغلق بابه وكفّ يده عن المسلمين ولم يقاتلهم، ولم يفرض على أي منهم أن يدخل في الإسلام على الرغم من هزيمتهم وغلبته عليهم، والأغرب من هذا في تسامحه معهم أن النبي استعان ببعضهم في حربه في حنين كما فعل مع صفوان ابن أمية حين استعار من رسول الله دروعاً وهو لايزال على كفره.
يتضح من هذا الشرح أن استناد بعض مدعي الجهاد على هذا الحديث في تبرير هجماتهم في الدول الغربية، وتبريرهم لمنطلقاتهم الجهادية ليست قائمة على فهم صحيح لمفهوم هذا الحديث الشريف، الذي يصبّ معناه الصحيح في بيان سماحة الإسلام وتحريمه للعدوان.
*الدكتور طارق العجال هو استاذ للتاريخ بجامعة عفت بمدينة جدة.