مع تزايد حمى أخبار التطرف والعمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، وتحول أخبار النحر والتفجير والتقتيل إلى روتين يومي على شاشات العالم الإخبارية، كثر طرح السؤال العفوي البريء؛ من أين يخرج علينا هؤلاء؟ وكيف ينشؤون بيننا؟.
طبعاً الإجابة تحتاج إلى اختزال مرحلة تاريخية طويلة جدا من بروز ظاهرة الإسلام السياسي، والأدلجة المكثفة التي تعرض لها العالم الإسلامي على مدار الأربعين سنة الماضية، والتي باتت وتيرتها أسرع وأسهل وأكثر مرونة بعد الانفتاح الهائل لكافة شرائح المجتمع على وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تختصر تجسيد الروئ الفكرية والثقافية في عدة أيام بينما كانت من قبل تحتاج إلى أجيال لتجسيدها.
في دراسة أجراها المركز الرائد في دراسات الإرهاب ” المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي” بجامعة كينغز كوليج ببريطانيا ومولتها الحكومة الكندية، تحت عنوان: “الطيور الخضر: قياس أهمية وتأثير شبكات المسلحين الأجانب في سوريا» ودارت حول محاولة فك شفرة كيفية نجاح الجماعات الإرهابية في تجنيد منخرطين جدد في صفوفها ونجاحها في إغواء الشباب المسلم في أوروبا وأمريكا بشكل خاص بأجنداتها، من خلال متابعة حسابات 190 مقاتلاً من دول غربية موجودين في العراق وسوريا على شبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم تحديد سماتهم من خلال المعلومات العامة لما يعجبون به في الفيس بوك، أو ما يتابعونه في التويتر. وبالتالي تحليل هذه الصفحات التي يتابعونها والتغريدات التي يرسلونها ويعيدون تغريدها.
تمكن الفريق بعد سنة من التتبع من تصنيف انتماء هذه الشريحة التي تبين أن 61.4 بالمئة منها ينتمون لداعش و نسبة 17.5 بالمئة أعضاء في جبهة النُصرة، و 19.3 حسابات أفراد ذوي انتمائات غير محددة، وقد خلصت الدراسة نتائج قيمة نلخصها في التالي:
- تبين أن أغلب المتطرفين الذين انضموا لهذه المجموعات لا يتلقون توجيههم الروحي والفكري من قنوات الاتصال الرسمية لهذه المجموعات من مواقع انترنيت وحسابات رسمية على وسائل التواصل بقدر ما يتلقون توجيههم من من تسميهم الدراسة بالناشرين (Disseminator)، وهم مجموعة من الدعاة غير المنخرطين في هذه المجموعات المتطرفة لكن متعاطفين مع طرحها بشكل كبير جداً، وهم يتمتعون بحرية كبيرة في نشر أفكارهم من خلال المنابر التي يخطبون منها، بخلاف المنخرطين رسمياً في الجماعات المتطرفة الذين لا يتوفر لهم القدر المماثل من الحرية.
- وقد توصلت الدراسة إلى أن أكثر الشريحة المدروسة يحترمون جداً ويستمعون إلى مواعظ المدعو أحمد موسى جبريل الأمريكي من أصل فلسطين، الذي يتبعه – أثناء فترة الدراسة- 23 ألف شخص على «تويتر» و211 ألفا على «فيسبوك»، ويشير التقرير إلى أن جبريل هو الأكثر شعبية لدى الجهاديين الغربيين موضع الدراسة، إذ يتابعه 21 بالمئة منهم عبر «فيسبوك»، و60 بالمئة عبر «تويتر». واللافت أن 78 بالمئة من الإعجابات التي نالتها صفحة جبريل على «فيسبوك» و86 بالمئة من متابعات «تويتر»، مصدرها إما أتباع داعش أو النصرة. ولا يفوتني أن أنبه إلى أن هذا الرجل متابع ومدان في قضايا احتيال وغسيل أموال في المحاكم الأمريكية، وقد سجن بسبب هذه التهم.
و الداعية الثاني هو الاسترالي موسى سيرانتونيو الذي يتبعه على الفيسبوك أكثر من 11000 متابع، والرجلان داعيان حماسيان لا يدعوان صراحة إلى العنف، ولكنهما يدعمان الجماعات المقاتلة في سوريا بكل حماس، مستخدمين في ذلك قدرتهما اللغوية القوية وأسلوبهما العاطفي الحماسي في التأثير على شريحة الشباب ويوضح الجدول التالي حجم تداول تعليقات هذين الشخصين بين الشريحة المدروسة
- تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي وتوظيف هذه الجماعات المتطرفة لها أهم وسيلة لنشر أجندتها الفكرية، حيث يلعب التوثيق اللحظي للأحداث والعمليات المرتكبة دوراً في لفت الانتباه للمادة الإعلامية ومن ثمة توظيفها في جلب منخرطين جدد، وهو الأمر الذي يختلف عن الوضع مع القاعدة قديماً التي لم تكن تتوفر لها ما يتوفر لداعش الآن من امكانات إعلامية متاحة للجميع.
- توصلت الدراسة إلى أن عدد صفحات الفيسبوك التي تم تصفحها من المجموعة المدروسة وكانت الأكثر شعبية بينهم وصل عددها 2235 صفحة مختلفة، 82.6% منها تم الاعجاب بها من فرد واحد واحد فقط من المجموعة، ويوضح الجدول التالي أهم صفحات الفيسبوك تداولاً عند الشريحة المدروسة وحجم تداولها بينهم:
- ركزت الدراسة على 32 حساباً متطرفاً في تويتر وتتبعت مدى شعبية هذه الحسابات وقد قادها هذا العدد القليل من الحسابات إلى شبكة كبيرة من المستخدمين يصل عددهم إلى 18223 مستخدماً، كما أثبتت الدراسة أن حساباً من بين أكثر 11 حساباً الأكثر تداولاً يعتبر الحساب الرسمي لجبهة النصرة، والباقي كلهم حسابات لأفراد غير منخرطين أو ما يسمون بالناشرين. وقد وضحت الدراسة أهم المستخدمين الذين تربطهم علاقة فكرية أو حركية مع المتطرفين من خلال 1969 رابطاً تم تداولها بين هذه الحسابات. وقد كشفت هذه البيانات أن حوالي 73.93% من حسابات المستخدمين تم متابعتها بوساطة مقاتل أجنبي واحد. في حين 1.91% من الحسابات الشخصية تم متابعتها بوساطة عشرة أفراد أوأكثر. ويوضح الجدول التالي أهم 11 حساباً على التويتر يعجب بها أفراد الشريحة المدروسة، ومدى شعبيتها بينهم:
يتضح من ملخص هذه الدراسة التحدي المفروض على مهمة التحكم في انتشار هذه الظاهرة نظرا للسيولة التي توفرها شبكات التواصل للمعلومات والأفكار، ويتضج جلياً كيف يظهر بيننا هؤلاء حيث يكفي حساب تويتر لأي شخص صاحب لسان مفوه بغض الطرف عن مستواه وتاريخه العلمي أن يغري بأفكاره الآلاف من الشباب المسلم التائه، وهو ما يضع جهود مكافحة التطرف في عالمنا الإسلامي أمام بوصلة المرجعية وإعادة بناء المرجعية.
*الدكتور طارق العجال هو استاذ للتاريخ بجامعة عفت بمدينة جدة.