تعرض مفهوم الإرهاب ولازال يتعرض لسيل من الأبحاث والدراسات من زوايا و مرجعيات متعددة سياسية منها واقتصادية وثقافية وقانونية ودينية..، ولعل السياق العام في الخطاب الغربي بات ينحو وبشكل متكرر إلى ربط الإرهاب بدوافع دينية دون غيرها، بالرغم من تشابه أثر كافة الأعمال الإجرامية سواء كانت بدوافع دينية أم غير دينية، ولعل المتهم الأول عند هذه الأدبيات الغربية عند الحديث عن الدافع للفعل الإرهابي والعنف هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهو ما تحاول بعض الأقلام الغربية والعربية الترويج له في وسائل التواصل المرئي والمواقع الإلكترونية تحت عناوين مختلفة مرة تحت مسمى:” ثقافة الإرهاب منبعها القرآن والسنة”؟ ومرة تحت عنوان: “القرآن هو القاتل الحقيقي والعمليات الإرهابية هي إفرازات السنة المحمدية” ، وغير هذه المقولات كثير جداً، في هذه الورقة نحاول أن نلتفت إلى نصوص القرآن الكريم التي تتهتم بالعنف ونحلل معنى الإرهاب في القرآن الكريم؟ وبتعبير آخر: هل معنى رهب في القرآن يفيد معنى العنف والقتل كما تروج له الأدبيات الغربية المعاصرة؟
عند الرجوع إلى آيات القرآن الكريم لتقصي جذر لفظة “الإرهاب” وهو “رهب” ومشتقاته في القرآن الكريم نجدها تكررت زهاء اثني عشرة مرة منها على سبيل المثال:
قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ (البقرة، الآية:40)، جاء في تفسيرها في كتب التفسير أن معناها :” وإياي فاخشوا واتقوا أيها المضيعون عهدي من بني إسرائيل والمكذبون لرسلي”.
وقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ (سورة النحل، الآية 51 ) أي خافوني.
وقوله : ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾، (سورة الأعراف، الآية 154) بمعنى يخافوني كذلك.
وقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ (سورة لأنبياء، الآية 90) رهباً أي خوفاً..
وقوله: ﴿ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾، سورة الحشر، الآية 13، الرغبة بمعنى إخافة .. وغيرها كثير ..
وهذه الآيات تدل في مجملها على معنى الخوف من الله تعالى، ولذلك يذهب بعض المهتمين بهذا الشأن إلى أن مادة رهب في القرآن الكريم لا تدل على معنى Terrorism، فكل الآيات المشتملة على كلمة رهب ومشتقاتها لا تدل على القتال والحرب بما فيها آية الأنفال، التي قال فيها تعالى:” ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾(سورة الأنفال، الآية 60) التي توظّف عند الجماعات المتطرفة لتبرير شنائعهم، كما توظف من طرف الشانئين على الإسلام لتبرير تهمهم له بالعنف والدعوة للإرهاب، والآية واضحة الدلالة في وجوب العمل على تقوية المسلمين بكل أشكال القوة واستخدم القرآن الكريم ” من” التي تفيد الاستغراق أي جميع أنواع القوة من القوة العلمية إلى القوة الإدارية والعسكرية والتدريبية والسياسية وكافة أنواع الاستعداد التي ترعب من يخطط لإيذاء المسلمين ويكيد لهم، ولا تفيد الآية بأي وجه من الوجوه وجوب الاستعداد لإرهاب وارعاب الآمنين غير الكائدين، فالآية يمكن التعبير عنها تدعو إلى إقامة مفهوم قوة الردع في علم السياسة الحديثة، حيث تمتلك الدولة من القوة ما يصرف عنها أطماع الكائدين ويفشل مخططاتهم. لذا فإن لفظ ترهبون في الآية لا يترجم ولا يعكس مصطلح Terror، وإنما يترجم هذا المصطلح كلمة الرعب ومنه Terrorism “الإرعاب” و Terrorist المرعب.
ولمعرفة الإرهاب الحقيقي يكفينا أن نتأمل الحربين العالميتين الأولى والثانية التي تجاوزت فيهما الدول حد قوة الردع أو المفهوم القرآني السالف الذكر الذي يوصي بالاستقواء بدافع الحماية وليس بدافع الاعتداء، وتجاوزت حتى حدود الجنون البشري في القتل والتدمير، كما حادت عن هذا المفهوم القرآني أغلب الحروب الإقليمية والدولية وبعض الثورات العقائدية وبعض الانقلابات، العسكرية، وغيرها من الحروب العرقية والتي أودت بأرواح الملايين من البشر، واستخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة وآلات الدمار والفناء، والتي كان من أخطرها الأسلحة النووية والكيمياوية والجرثومية، فأبيدت مدن بكاملها، وهجرت شعوب وأمم، وعمت الهمجية معظم دول العالم.
بالرغم من فظاعة هذه الحروب وأهوالها بقيت نتائجها المروعة، ومخلفاتها الرهيبة من القتل والدمار في القاموس الدولي دون مستوى الإرهاب، فسمي منفذوها بالمعسكرات و الأحلاف، وسمي مناهضوها بالثوار، والسؤال المنطقي المطروح هنا هو: هل سالت هذه الأودية من الدم بدافع الدين؟ وما هو نصيب القرآن الكريم في التحريض على هذه الهمجية؟!!!
*الدكتورة ليليا شنتوح: أستاذة محاضرة في كلية الدراسات الإسلامية، جامعة الجزائر 01.