في خضم تزايد وتيرة العنف والإرهاب عقب هجمات برشلونة الأخيرة، والتي تلتها هجمات فردية أخرى في كل من فلندا وروسيا، وما سبق ذلك من أحداث دهس في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد؛ تميل أغلب الدراسات الأخيرة المتتبعة لهذه الظاهرة إلى ربط خلفيات مرتكبي هذه الجرائم بماضيهم الغارق في عالم الإجرام والانفلات الديني. ونشأتهم بعيداً عن واقع التدين الحقيقي الضابط للسلوك الفردي والجماعي، ففي دراسة لإدوين باكر Edwin Bakker تتبع فيها 31 هجوماً إرهابياً في أروربا ما بين سبتمبر 2001 و أكتوبر 2006، أثبت أن 58 من بين 242 أي بنسبة 24% ممن ارتكبوا هذه الهجمات هم من ذوي السوابق الإجرامية، وممن قضوا فترات في السجن بسبب جرائم السرقة أو القتل أوالمخدرات. وفي دراسة ثانية لروبن سيمكوس Robin Simcox ، أثبت فيها 58 أي ما نسبته 22% من الأفراد المرتبطين بـ 32 هجوماً لداعش في الدول الغربية ما بين جويلية 2014 إلى أوغسطس 2015 هم من المجرمين السابقين و من ذوي السوابق الجنائية.
وأثبتت الدراسة الأخيرة أن 29 % من هذا العدد هم من المتحولين للإسلام، كما أثبتت الدراسة أن 67% ممن خطط أو شارك في هجمات إرهابية في أمريكا في هذه الفترة هم من المتحولين للإسلام بالرغم من كون نسبتهم بين المسلمين الأمريكيين لا تتجاوز 20%. والنتيجة نفسها أثبتتها دراسة قام بها سكوت كينمان Kleinman Scott وأثبتت أنه بالرغم من كون المتحولين للإسلام في بريطانيا لا يمثلون سوى نسبة 3% من المسلمين في بريطانيا إلا أنهم كانوا المسؤولين عن ارتكاب ما يزيد على 31% من الهجمات الإرهابية في بريطانيا ما بين 2001 إلى 2010. علماً أن نسبة كبيرة من هؤلاء المتحولين هم ممن تعرف على الدين الإسلامي ثناء قضاء فترات عقوبة في السجن، مما يربط أغلب مرتكبي هذه الجرائم أيضا بماضيهم الإجرامي.
كما أثبتت دراسة أكاديمية لشارلز راسل بعنوان ” خلفية المتطرف” أجريت على 350 متطرفاً أن الأغلبية الساحقة لعينة الدراسة هم ممن تترواح أعمارهم ما بين 22-24 سنة، ومن ذوي المستوى التعليمي ما دون الجامعي.
هذا على مستوى مرتكبي هذه الجرائم ممن أشارت كافة الدراسة لخلفياتهم الإجرامية، أما على مستوى المنظرين والملهمين لهذه الشريحة فالأمر ليس ببعيد عن ما سبق، حيث تشير دراسة محكمة للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي” بجامعة كينغز كوليج ببريطانيا تحت عنوان: “الطيور الخضر: قياس أهمية وتأثير شبكات المسلحين الأجانب في سوريا” إلى أن 60% من المنخرطين في داعش في الدول الغربية هم ممن تأثر دينياً بمواعظ أحمد موسى جبريل الأمريكي إذ يتبعه – أثناء فترة الدراسة- 23 ألف شخص على «تويتر» و211 ألفا على «فيسبوك»، كما أن 78 بالمئة من الإعجابات التي نالتها صفحة جبريل على «فيسبوك» و86 بالمئة من متابعات «تويتر»، مصدرها إما أتباع داعش أو النصرة. هذا الداعية في حد ذاته صاحب تاريخ إجرامي حافل حيث حُكِم إلى سنة 2004 هو وأبوه فيما يزيد على 42 قضية جنائية في الولايات المتحدة، تترواح مابين التحايل البنكي، وغسيل الأموال، وحكم عليه بالسجن لستة سنوات ونصف، وخرج من السجن سنة 2012 ليمتهن الوعظ الديني.
في هذه الدراسة لمركز صوت الحكمة قمنا بتتبع خلفيات كافة مرتكبي جرائم الدهس والإرهاب التي ارتكبت في أوروبا ما بين يناير 2015 إلى أحداث برشلونة هذا الشهر (اوغسطس 2017) وقد أثبتت الدراسة أن 44% ممن ارتكب في هذه الجرائم تحت مسمى الدفاع عن الإسلام وقضايا المسلمين هم من المجرمين ومدمني ومروجي المخدرات في أوروبا، بل فيهم من كان مالكاً لخمارة وباعها قبل ارتكابه لعمله الإرهابي الشنيع بأسابيع قليلة فقط كصلاح عبد السلام المسؤول عن مقتل أزيد من 130 مدنياً في هجمات باريس في نوفمبر 2015. كما أن 13% منهم لهم تاريخي نفسي مضطرب، على أن المتوسط العمري لكافة هذه المجموعة هو 27 سنة، كما أن 2.7% فقط منهم ذوي مستوى تعليمي عالي وأصحاب مهن مستقرة.
الهجوم والمدينة | التاريخ | المتورطون | العمر | الخلفية |
هجوم مدينة توركو الفنلندية | 18 أغسطس 2017 | لم يعلن عن اسمه | 18 | غير معلوم |
هجوم مدينة برشلونة الإسبانية | 18 أغسطس 2017. | موسى أوكبير | 17 | مراهق، بدون مستوى تعليمي |
سعيد علاء | 18 | مراهق، بدون مستوى تعليمي | ||
محمد هشامي | 24 | لا معلومات عنه | ||
يونس أبو يعقوب | 22 | مدمن كحول، ومن رواد الملاهي الليلية | ||
الهجوم لندن بريدج” | 3 يونيو 2017 | كرام ساجد بوت | 27 | موظف وجبات سريعة بدون مستوى تعليمي |
رشيد رضوان | 31 | طباخ بدون مستوى تعليمي | ||
يوسف زاقبا | 22 | نادل مطعم مع مستوى تعليمي متدني | ||
الهجوم الانتحاري “مانشستر أرينا” | 22 مايو 2017. | سلمان رمضان العبيدي | 22 | مدمن ومروج مخدرات. |
هجوم الشانزليزيه | 21أفريل 2017 | كريم شرفي | 39 | مجرم صاحب سجل حافل بالعقوبات |
دهس استوكهولم | 7 إبريل 2017. | راخمت أكيلوف | 39 | بناء، ومضطرب نفسياً |
حادث “ويستمنستر بريدج” | 22 مارس 2017. | خالد مسعود | 52 | بدون مستوى دراسي مدمن كوكايين، مع سجل إجرامي طويل |
هجوم مطار أورلي بباريس | 18 مارس 2017. | زياد بن بلقاسم | 39 | مدمن كوكايين، ولص بنوك مع 44 قضية جنائية في محاكم فرنسا |
متحف اللوفر بباريس | 3 فبراير 2017 | عبدالله رضا الحمامي | 29 | جامعي ومستقر مهنياً واجتماعياً |
هجوم سوق “الكريسماس برلين | 19 ديسمبر 2016 | نافيد بي | 23 | صاحب سجل جنائي حافل |
هجوم على كنيسة بنورماندي | 26 يوليو 2016. | عادل كرميش | 19 | مختل نفسياً، وذو تاريخ طويل مع العيادات النفسية |
مالك بتيجيان | 19 | هادئ وبدون تاريخ إجرامي | ||
هجوم انتحاري بافاريا | 24 يوليو 2016 | محمد دليل | 17 | مختل نفسياً حاول الانتحار مرتين |
هجوم ميونيخ ألمانيا | 22 يوليو 2016. | لم يعلن عن اسمه | 18 | الهجوم ليس بدافع ديني، والمرتكب يعاني من اضطراب نفسي |
هجوم نيس فرنسا | 14 يوليو 2016. | محمد لحويج بوهلال | 31 | خمس جرائم جنائية، مدمن كحول، ولا يصلي. |
هجوم مطار بروكسل | 22 مارس 2016. | خالد البكرواي | 27 | تاريخ إجرامي حافل بين سرقة البنوك وسرقة السيارات |
إبراهيم البكرواي | 30 | لص محترف | ||
هجمات باريس | 13 نوفمبر 2015. | عبد الحميد أبو عود | 28 | سجل إجرامي طويل، سرقة، إدمان القنب |
صلاح عبد السلام | 28 | صاحب خمارة لبيع الكحول، ومدمن وبائع مخدرات، ولص محترف. | ||
هجوم شارل إيبدو | 7 يناير 2015 | شريف كواشي | 32 | خريج ملاجئ أيتام مع خلل نفسي واجتماعي |
سعيد كواشي | 34 | خريج ملاجئ أيتام مع خلل نفسي واجتماعي | ||
أميدي كوليبالي | 32 | مدام 5 مرات في عمليات سرقة ومرة في تجارة مخدرات |
أمام هذا الأرقام التي تربط خلفيات أغلب مرتكبي هذه الجرائم الإرهابية بالإدمان والجرائم الجنائية والاضطرابات النفسية والفشل المدرسي والاجتماعي وعدم الاستقرار المهني والمالي، يمكننا وبشكل واضح الوقوف على التحولات المحورية في هذه الظاهرة التي باتت تنحى وبشكل متسارع لأن تكون مجرد أعمال إجرامية بحتة تتناسب مع طبيعة وتاريخ مرتكبيها أكثر منها أعمال ذات بعد سياسي وديني معقد، وهو ما يقربها أكثر إلى مفهوم الحرابة التي فصلت فيها أحكام الشريعة الإسلامية وشددت في أحكامها نظرا لكونها من أبشع الجرائم التي ورد النص عليها في التشريع الإسلامي ووضعت لها شروط خاصة وأركان خاصة لا تتحقق إلا بوجودها لجسامة العقوبة المترتبة عليها والتي ورد النص عليها في القرآن الكريم إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (المائدة: 33).