سمات الوسطية

من قسم افتراضي, المقالات. منذُسنة واحدة.2019-09-04T12:26:50+03:0012:00 صباحًا الأحد 31 ديسمبر 2017 م / _31 _ديسمبر _2017 ه‍|

الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين: وبعد

إن الوسطية منهج حياة للمسلم في كل الأحوال والأزمان، يأخذ بها في السراء والضراء، في السلم والحرب، وفيما يحب ويبغض، فهو معتدل في معاملته متوسط في أفعاله وأقواله، إذ يتحلّى المسلم بصفة الوسطية وتكون لازمة له وسمة دائمة يتسم بها، متمثلاً بدعائه عليه الصلاة والسلام : (( وأسالك كلمة العدل في الغضب و الرضا، وأسألك القصد في الغنى والفقر)) رواه ابن خزيمة وابن حبان.
فالوسطية في الإسلام تعني الاعتدال والتوازن والحكمة، و الحذر والبعد من كل ما يخالفها من معتقدات وأعمال وأقوال كالإلحاد والشرك والبدع والفواحش ما ظهر منها وبطن، و تجاوز في الانحراف الذي يهدد الأمن الاجتماعي أو الفكري أو الحياتي.
معنى الوسطية:

هي العدل، والخيار، والتوسط بين الجيد والردئ. وقد عرفت في الاصطلاح أن الوسطية : “سلوك محمود يعصم صاحبه من الانزلاق إلى ‏طرفين مُتقابلين – غالبًا – أو مُتفاوتين، تتجاذبهما طرفا الإفراط والتفريط، سواء في الأمور الدينية أم ‏الدنيوية”.‏ و يمكن تعريفها بمعنى آخر: وهي ما وافق الحق من الأقوال والأفعال، التي تأخذ من الشّريعة الغرّاء المحفوظة الصالحة لكل مكان وزمان، وهي أصل الوسطية، وما خالف الشّرع فهو مائل عن الوسطية، إمّا بالغلو أو تجافي.

قال ابن القيم – رحمه الله – : ” فدين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه، وخير الناس: النمط الأوسط، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلوِّ المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطاً، وهي الخيار، العدل؛ لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو: الوسط بين طرفي الجور، والتفريط، والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف والأوساط محمية بأطرافها، فخيار الأمور أوسطها “. إغاثة اللهفان.
أدلة الوسطية
1- دعاء المسلمين في سورة الفاتحة { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} الفاتحة.
وهذا الدعاء يكرره المسلم دائما في الصلاة وغيرها، وفيه سؤال الله تعالى أن يهديه طريق المنعَم عليهم من النبيين والصدِّيقين، وأن يجنبه طريق المغضوب عليهم من الذين ضلّوا على علم، ومن طريق الذين ضلوا بسبب جهلهم، فيتوسط بين الطائفتين بهدي الإسلام وهداية الإيمان.
2-قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}. الفرقان.
قال ابن كثير – رحمه الله – : ” أي : ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهْليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عَدْلا خياراً، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا ”
* أهم سمات الوسطية في الإسلام :

الخيرية: لقد اتسمت الوسطية بهذه الصفة مستمدة من قوله جل وعلا (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (آل عمران:110). وهذا وصف رباني عظيم يتعدى خيره إلى غيره. قال ابن كثير في تفسيرها: ” والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس.”، ثم جاءت السنة مبينة ومؤكدة لهذا المعنى روى الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله).

العدل: وهو الأساس الذي قامت عليه السموات وجاءت بها جميع الشرائع وأنزل الله به كتبه وأرسل به رسله، قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد: 25)

لقد قامت هذه الأمة بالعدل واشتهرت فيه حتى صار سمة من سماتها وصفة من صفاتها التي تميزت به بين سائر الأمم ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها:( أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله ومن يجترئ عليه إلا أسامة فقال: “أتشفع في حد من حدود الله؟” ثم قام فخطب فقال:” يا أيها الناس إنما ضلّ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها).

وكانَ عليه الصلاة والسلام: يبعثُ عبدَ اللَّهِ بنَ رواحةَ إلى خيبرَ فيخرُصُ بينَهُ وبينَ يَهودِ خيبرَ قالَ فجَمعوا لَهُ ذات مرة حُليًّا من حُلِيِّ نسائِهِم فقالوا لَهُ هذا لَكَ وخفِّفْ عنَّا وتجاوَز في القَسمِ فقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ رَواحةَ يا مَعشرَ اليَهودِ ! واللَّهِ إنَّكم لَمِن أبغضِ خلقِ اللَّهِ إليَّ وما ذاكَ بحامِلي علَى أن أحيفَ عليكُم فأمَّا ما عرَضتُمْ منَ الرِّشوةِ فإنَّها سُحتٌ وإنَّا لا نَأكلُها فَقالوا بِهَذا قامتِ السَّمواتُ والأرضُ) رواه أحمد في مسنده

اليسر ورفع الحرج الذي جاء به الإسلام الوسطي فقد قال تعالى: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ) (الحج:78)

ويظهر ذلك جلياً في تلك الأحكام الفقهية العملية التي جسدت وسطية الإسلام فمن أمثلة ذلك قصر الصلاة في السفر والجمع وكذلك الجمع بين الصلاتين عند العذر كالمرض والمطر ونحو ذلك، واستعمال التراب في التيمم عند مشقة استعمال الماء أو فقده و الفطر للصائم عند السفر والمرض في شهر رمضان.

الحكمة: التي وضع الشيء في موضعه الصحيح وهذا أصل من أصول وسطية الإسلام ويكون ذلك في كل شيء، ومنها في الدعوة إلى الله قال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125)

الاستقامة: قال تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا} (هود:112) أمر بالاستقامة ونهاهم عن الغلو وقال ولا تطغوا، والطغيان هو الخروج عن الحد من جانب الزيادة .

6- الاعتماد على العلم الراسخ:

من سمات الوسطية الاعتماد على العلم الراسخ، الذي مصدره الكتاب المحكم أو السنة الشريفة، والرجوع إلى أقوال الصحابة في فهمهم للنصوص وللأخذ بأقوالهم عند عدم توفر الدليل في المصدرين السابقين، ثم النظر والأخذ في اجتهادات أهل العلم الراسخين. فاعتماد الوسطية على العلم الراسخ الصحيح مظهر من مظاهرها وسمة من سماتها.

وأخيراً لابد أن لا يكون النظر من نافذة واحدة فقط ونهمل الجانب الآخر، فكما أنكرنا التطرف والغلو يجب علينا أن ننكر أيضا التساهل والتفريط الذي يدفع البعض الوقوع في الشهوات والانحلال الخلقي والإلحاد وغير ذلك، فيجب أن ننهج إلى الشمولية ونحذر من الإفراط من التفريط والتجافي والغلو، ونسير بالاعتدال والتوسط عملاً بقوله سبحانه وتعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } (الأنعام:153) فصراط الله واحد وطريقه واحد ة لا إفراط ولا تفريط.


د.عبدالسلام حسين الفيلكاوي  موجه أول خطابة وإمامة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت